الحكامة الجيدة في الوسط السجني
عرفت المؤسسات السجنية بالمغرب تطورا كبيرا ابتداء من صدور القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية رقم 23/98 الذي اعتبر السجون مؤسسات إصلاحية تهذيبية تقوم بتأدية وظائفها ومهامها الاجتماعية عن طريق وضع برامج إصلاحية متكاملة، الهدف منها هو تهذيب سلوك السجناء وإرجاعهم للمجتمع مواطنين صالحين. كما أن ارتقاء إدارة السجون من مديرية تابعة لوزارة العدل إلى مندوبية عامة تابعة لرئيس الحكومة وفق التوجهات الملكية السامية، كان له الفضل في اعتماد تدبير حديث واحترافي للمؤسسات السجنية وتحقيق نتائج أفضل بفضل الاستقلالية الإدارية وبفضل الأطر الكفأة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى المؤسسات السجنية والمديريات الجهوية، حيث عملت المندوبية العامة على تعيين أفضل الموظفين لتقلد مناصب المسؤولية، كما أنها عملت على استقطاب أفضل المترشحين في عملية التوظيف وإخضاعهم للتكوين والتكوين المستمر وتمتيع مواردها البشرية بمجموعة من الحوافز للرفع من المردودية مقيدة في ذلك بمبادئ الحكامة الجيدة.
فماذا يقصد بالحكامة الجيدة (الفرع الأول) ؟ وماهي تجلياتها في تدبير الشأن السجني (الفرع الثاني)؟
لقد أصبح لموضوع الحكامة الجيدة حضور قوي على مختلف الأصعدة، حيث احتل مكان الصدارة على أجندة الرؤساء والسياسيين وأصحاب القرار ورجال السلطة والاختصاص من مفكرين وباحثين وقانونيين.
وبهذا أصبحت الحكامة في قلب مشروع العصرنة والتحديث والمرتبطة بالأساس بالاقتصاد والمجتمع، هذه الدينامية تستدعي قسطا هاما من الاهتمام والنقاش بين أوساط الرأي العام وذلك لتسريع التغيير من أجل الحفاظ على مجتمع قوي وموحد ومن أجل تكريس ثقافة القرب والمشاركة والتشارك.
الفرع الأول: مفهوم الحكامة الجيدة
مصطلح الحكامة الجيدة أصبح منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش مكونا أساسيا في الخطاب السياسي المغربي سواء منه الرسمي أو غير الرسمي، الذي أخذ يلح على ضرورة اعتماد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام وتنفيذ السياسات العمومية. كما أن هذا التصور الجديد الذي تخضع فيه كل المخططات والسياسات للتقييم والمراقبة، انتقل من الخطاب السياسي إلى النص الدستوري حيث احتل حيزا هاما في دستور 2011 الذي نص في فصله الأول على أن نظام المملكة يقوم على أساس الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارها جزءا من آليات تدبير الشأن العام، وتقترن بمرتكزات أخرى كاحترام حقوق الإنسان وضمان الأمن والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وبالرجوع إلى مفهوم الحكامة الجيدة فقد ظهرت في هذا الإطار العديد من الإسهامات المختلفة التي يمكن من خلالها استخلاص توصيف لمفهوم الحكامة الجيدة يتضمن بعدين أساسيين:
أولهما، يضع الحكامة الجيدة في سياقها العام الذي يخدم المسار التنموي بالدول الثالثية، ذلك أن المفهوم يعبر عن العلاقة بين جهاز الدولة والحكم من ناحية، ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص من ناحية أخرى، ودور كل منهم في إدارة الدولة. ففي إطار عجز الدولة المتزايد عن تلبية احتياجات المواطنين خاصة في الدول النامية والفقيرة أصبحت مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص في تحمل أعباء التنمية المجتمعية ضرورة ملحة.
ثانيهما، أنه يشير إلى مجموعة من المفاهيم التي تمثل معيارا للحكامة الجيدة أهمها الشفافية والمساءلة، الرقابة، والكفاءة وفعالية مؤسسات إدارة الدولة، والتمكين والمشاركة والتحفيز.
وعموما هناك مجموعة من التعاريف لمفهوم الحكامة الجيدة، وسوف نقتصر على تعريف الاتحاد الأوربي:
يعتمد الاتحاد الأوربي خمسة مبادئ أساسية للحكامة الجيدة: الانفتاح، المشاركة، المحاسبة، الفعالية، والتنسيق. وتشجع قواعد الحكامة الجيدة الالتزام بالقانون حيث أنه لا يمكن تفعيل قواعد الحكامة الجيدة إلا إذا كان الأفراد واعون بعواقب أفعالهم على الآخرين والإحساس بوجوب تجنب هذه العواقب. إن مجهودات الإلزام والالتزام لها القدرة على تفعيل هذه القواعد عن طريق تنبيه الأفراد بعواقب عدم الالتزام وتوضيح مسؤولياتهم اتجاه تجنب هذه العواقب، وهكذا فإن البرامج المتعلقة بإلزام القوانين والمساعدة على الالتزام يمكنها ليس فقط، أن تزيد من العناية التي يوليها الفرد للقاعدة ولكن كذلك أن تزيد من مدى تأثير تفعيل القاعدة على سلوك هذا الفرد.
وبالإضافة إلى التماشي مع القواعد الصالحة، فإن تحقيق مبادئ الحكامة الجيدة يتطلب مؤسسات مبنية على دولة القانون، يصفها الإتحاد الأوربي بالعناصر التالية:
تشريع يحترم الدستور وحقوق الإنسان.
استقلالية القضاء.
فعالية واستقلالية وسهولة الولوج إلى الخدمات القانونية.
نظام قانوني يضمن المساواة أمام القانون.
نظام السجون يحترم شخص الإنسان.
فعالية الجهاز التنفيذي وقدرته على إلزام القانون وخلق الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضرورية للحياة في المجتمع من خلال القانون.
سلطة عسكرية مراقبة من طرف سلطة مدنية في إطار دستوري.
وعموما، تم تعريف الحكامة الجيدة من قبل كثير من الباحثين على أنها "الطريقة التي تباشر بها السلطة في إدارة الدولة الاقتصادية منها والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية، فالحكامة لابد أن تعتمد على عدد من المحاور الأساسية منها: صيانة الحقوق والحريات، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون، وتكوين وتحفيز العاملين ونهج أسلوب اللامركزية والتنسيق بين كل المتدخلين.
لذلك فالحكامة الجيدة، في أي مجتمع وأي مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية، تبقى من أهم الضروريات لإنجاح المخططات والأهداف التنموية.
وتأسيسا على ما سبق، سنحاول إبراز بعض مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن السجني في ظل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج:
الفرع الثاني: مبادئ وقواعـد الحكامـة الجيـدة بالوسط السجني
للوقوف على حقيقة الحكامة الجيدة، فإن الأمر يستدعي مراعاة سمات هذه الحكامة إذ أنها عديدة ومتنوعة، ويمكن تلخيص أسسها ومعاييرها فيما يلي:
الشفافية وتبسيط المساطر: وتعني توفر المعلومات في وقتها، وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية، مما يساعد في اتخاذ القرارات الصائبة، وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة، ومن أجل التخفيف من الهدر ومحاصرة الفساد. وإعمال الشفافية وتبسيط المساطر في تدبير المؤسسات السجنية يتجلى فيما يلي:
اعتماد بطاقة ترشيح لإثبات الشروط المطلوبة لولوج أي درجة توظيف بدل الإدلاء بجميع الوثائق.
الإعلان عن جميع التوظيفات في الجرائد الوطنية والموقعين الإلكترونيين للمندوبية العامة ووزارة تحديث القطاعات العامة.
اختيار أطر ذات كفاءة وخبرة للإشراف على عملية تدبير المباريات.
استعمال التكنولوجيات الحديثة (البوابة الإلكترونية) في استدعاء المرشحين للمشاركة في المباريات، وكذا الإعلان عن النتائج.
نشر جميع المعلومات المتعلقة بالتوظيفات بالبوابة الإلكترونية للمندوبية العامة.
اعتماد مبدأ القرب في إيداع طلبات الترشيح، وكذا في تحديد مراكز اجتياز المباريات.
تكريس مبدأي الشفافية والاستحقاق في نظام الترقي من خلال:
إحداث لجنة يترأسها الكاتب العام للإشراف على الامتحانات المهنية،
إشراك ممثلي الموظفين المنتخبين ضمن اللجن المتساوية الأعضاء في الإشراف على الامتحانات المهنية،
إشراك أطر متخصصة من بعض القطاعات الحكومية وأساتذة جامعيين لإحاطة عمل اللجنة بمزيد من الشفافية والاحترافية
إحداث صندوق خاص بالشكايات.
إعمال الشفافية في التعيين بمناصب المسؤولية باعتماد مسطرة التباري ومبدأ تكافؤ الفرص مع مراعاة مستوى الكفاءات وملاءمتها لمناصب المسؤولية.
إصدار النشرة الإحصائية السنوية للمندوبية العامة ببوابتها الإلكترونية، والتي تعتبر مرجعا أساسيا في كل الدراسات المرتبطة بقطاع السجون، سواء منها تلك المتعلقة بالوضعية الراهنة للسجون أو تلك المتعلقة بالوضعية بالدراسات والمشاريع المستقبلية...الخ
الشراكة والتعاون: الشراكة هي آلية عمل تهدف لحل المشكلات المعقدة أو تنفيذ مشاريع التنمية الضخمة بكفاءة وفاعلية، والتي لا يمكن تنفيذها من قبل طرف واحد وإنما من خلال أداة لا تمثل بشكل مطلق السوق أو بشكل مطلق الحكومة وإنما الاستفادة القصوى من ميزات كل قطاع للعمل معا، وتنطلق من قناعة الشركاء للعمل معا برؤيا مشتركة من خلال علاقة قانونية منظمة وواضحة أساسها المصداقية والثقة بين الشركاء والتفاوض المستمر في عملية اتخاذ القرار وما يترتب على ذلك من اتفاقيات تتكامل بموجبها الأدوار وتتضح من خلال المسؤوليات ويلتزم كل شريك اتجاه الآخر نحو تحقيق هدف عام ومنفعة متبادلة، من خلال الشراكة يتشارك الشركاء في الإنتاج، التكاليف والعوائد، الربح والخسارة وتحمل المخاطر. الشراكة علاقة بين الشركاء لحشد الموارد والاستغلال الأمثل لهذه الموارد بهدف التطوير وتدليل معوقات التنمية التي تواجه القطاع العام.
والشراكة والتعاون في الوسط السجني، يمكن تقسيمها إلى شقين: الشراكة والتعاون على المستوى الداخلي والشراكة والتعاون على المستوى الدولي.
على المستوى الداخلي: الذي يتجسد في علاقات التعاون والتبادل والشراكة التي تبرمها المندوبية العامة لإدارة السجون أو المصالح الخارجية لها، مع أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام أو كذلك مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الخواص، وذلك من أجل إنجاز مشروع ذي فائدة مشتركة.
على المستوى الدولي: المتمثل في العلاقات التي تقيمها المندوبية العامة أو المصالح الخارجية لها - وكذلك المؤسسات المهتمة بالوسط السجني- مع نظيراتها الأجنبية (تعاون ثنائي) أو مع الجمعيات والمنظمات الدولية غير الحكومية ذات الاهتمام بالشأن السجني (تعاون متعدد الأطراف)، وندرج فيما يلي نموذجا للشراكة على المستوى الدولي والوطني على سبيل المثال لا الحصر:
الشراكة مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي:
تعد المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي من أهم المنظمات التي تسعى لتحقيق إصلاحات في ميدان الإصلاح الجنائي والسجني، وهي منظمة غير حكومية تأسست في لندن بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1989 ولها عدة فروع في القارات الخمس، وفي أكثر من 80 دولة، حيث تمارس في المنطقة العربية نشاطاتها في خمس دول عربية هي: المغرب، لبنان،الأردن، الجزائر وفلسطين، وهي تضع برامجها على أسس إقليمية بتقديم العون للمنظمات غير الحكومية والأفراد لإقامة المشاريع في بلدانهم وتشجيع تبادل المعلومات والخبرات بين البلدان التي تمارس نشاطاتها بها، خاصة في المجال الجنائي والإصلاح السجني.
الشراكة مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء:
وتعتبر الشريك الأمثل للمندوبية العامة لإدارة السجون، وقد حددت المهام الثلاثة التالية لنفسها:
أنسنة وسط الاعتقال وذلك بالمساهمة في تحسين تهيئات وتجهيزات السجون ومراكز حماية الطفولة وكذا تطوير التنشيط الرياضي والثقافي،
تشكيل منبه حول الاختلالات المعاينة في تدبير دور الاعتقال وإعادة تربية الأطفال وكذا قوة اقتراحية من أجل تطبيق أفضل للقانون المنظم لمجال الاعتقال وجهاز تأطيره،
تطوير برامج التربية والتكوين لتيسير إعادة إدماج السجناء والأطفال نزلاء مراكز حماية الطفولة.
هذا، وقد عملت المؤسسة منذ تأسيسها على إبرام اتفاقيات شراكة مع الهيئات الحكومية والمدنية المهتمة بأوضاع السجون بهدف المساهمة في إعادة إدماج السجناء. كما أحدثت مجموعة من وحدات الرعاية اللاحقة في أفق تعميمها في مختلف جهات المملكة.
كما قامت المندوبية العامة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة بإنجاز العديد من المشاريع في مجالات عدة يمكن عرض بعضها وفق ما يلي:
تم إبرام اتفاقية شراكة مع المدرسة المحمدية للمهندسين للتنقيب على المياه الجوفية بالسجون الفلاحية في أفق تطوير برامج التكوين الفلاحي وعمل السجناء.
تم تفعيل اتفاقية شراكة مع وزارة العدل البلجيكية، من خلال تنظيم 3 دورات تكوينية لفائدة أطر المندوبية العامة في مجال الضبط القضائي، تدبير الموارد البشرية، وتدبير الميزانية.
تم إعداد مشروع بروتوكول تعاون مع بوركينافاسو في مجال التكوين وتبادل الخبرات في الشأن السجني.
تم إعداد مشروع اتفاقية تعاون مع إدارة السجون الفرنسية في مجال التكوين وتبادل الخبرات، وسيتم توقيعها في القريب العاجل.
تبادل خبراء أمريكيون ومغاربة في المجال السجني زيارة استطلاعية لبعض المؤسسات السجنية بالبلدين، في إطار تطوير المناهج وطرق العمل...إلخ
المشاركة: إن فكرة المشاركة ليست فكرة حديثة العهد، وإنما تجد جدورها في العديد من التشريعات القديمة، لعل أهمها الإسلام الذي جعل من مفهوم "الشورى" أحد مبادئه الأساسية، إذ أن الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية قد ركزت على أهمية الوظيفة الاستشارية في علاقة الحكام بالمحكومين، وأكدت على إلزام الحاكم باستشارة ممثلي الأمة، حيث أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم أن تكون المشورة في الرأي هي سبيله دائما عند اتخاذ أي قرار "....وشاورهم في الأمر". أما في العصر الحاضر، فإن تطور الحياة المجتمعية في الدول الحديثة قد جعل من المشاركة أمرا ضروريا لاستمرارية كل نظام، حيث أصبحت تتردد المطالبة بانفتاح ديمقراطي ومساهمة أكبر للمواطن في اتخاذ القرارات على جميع الأصعدة. وعلى المستوى المحلي، تعني المشاركة حق جميع المواطنين المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر عبر المجالس المحلية المنتخبة في وضع البرامج والسياسات العامة الموضوعة من طرف الدولة والمؤسسات المحلية حيث أن هذه الأخيرة تشرك السكان في تدبير الشأن العام المحلي الذي أصبح أمرا ملحا وشرطا ضروريا لنجاح الديمقراطية المحلية والوطنية داخل أي بلد.
فالمقاربة التشاركية هي آلية يتم تجسيدها من خلال مفهوم الحكامة الداعي لخلق فضاء للتشاور وتشكيل إطار لتبادل الآراء، من أجل العمل بشكل تكاملي على اتخاذ قرارات صائبة سواء في الجانب المالي أو الإداري، وإيجاد حلول للمشاكل المطروحة، وتحقيق الأهداف والمشاريع المشتركة، وهذا سيساهم لا محالة في إنجاح رهان التدبير الجيد للشأن العام المحلي والوطني.
تبقى إذن المشاركة، أداة لتدبير الفعالية ووسيلة للاندماج والانخراط في صنع القرار وتحسينه ومراقبته عبر الضبط والتقويم، وهي تجسد كمبدأ أساسي التدبير العمومي الجيد. وتتجلى المشاركة في تدبير الشأن السجني في مشاركة كل الفاعلين من مجتمع مدني، المؤسسات الدستورية والإدارية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، اللجنة الإقليمية للمراقبة، المرصد المغربي للسجون... والمؤسسات القضائية كقاضي تطبيق العقوبات، وكذلك مشاركة الأطر والموظفين في اتخاذ بعض القرارات من خلال الندوات والأيام الدراسية...
الفعالية والمراقبة: الفعالية تهدف إلى توفر الإرادة والقدرة على تنفيذ البرامج والمشاريع قصد الوصول إلى نتائج تستجيب لحاجيات السكان ولرغباتهم وذلك عبر إدارة عقلانية تعمل على ترشيد الموارد المالية والبشرية بدل الارتجال والعشوائية.
إن ضمان فعالية ومردودية الأهداف المسطرة لعمل المؤسسات السجنية، لن يتأتى بدون تواجد جهاز للمراقبة الإدارية والمالية، فبالإضافة إلى دور الرقابة الداخلية للمندوبية العامة، ومؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات و الحكامة الجيدة المنصوص عليها في الدستور الفاعلة في تدبير الشأن السجني، عمدت المندوبية العامة على نهج سياسة اللاتمركز من خلال إحداث المديريات الجهوية التي أصبحت تلعب دورا مهما في مراقبة المؤسسات السجنية المتواجدة في نطاقها الترابي عن قرب ومعالجة المشاكل الطارئة بالسرعة المطلوبة وتفعيل اتفاقيات الشراكة والتعاون مع القطاعات ذات الصلة على المستويين الجهوي والمحلي.
المساءلة: ارتباط المساءلة بالحكامة، ناتج عن كون هذه الأخيرة تستوجب وجود نظام متكامل يتوفر فيه عنصر المحاسبة (المساءلة)، فبعد المراقبة التي تتوخى التأكد من أن تنفيذ الميزانية قد تم وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، تجب المساءلة بإقرار عنصر الجزاء الذي في غيابه تفقد الرقابة مصداقيتها وأهليتها، فتولي منصب المسؤولية يقتضي تقبل المحاسبة والمساءلة بشكل يتلاءم مع طبيعة هذا المنصب. وهنا تبرز أهمية المراقبة الداخلية للمفتشية العامة للمندوبية العامة واعتمادها على مدققين في الحسابات تابعين لها، إضافة إلى دور المديريات الجهوية في عملية المراقبة، كذلك المجالس الجهوية للحسابات والمجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، ومراقبة البرلمان، ومراقبة الرأي العام.
التوافق: الذي يعني القدرة على التوازن بين المصالح المتناقضة قصد الوصول إلى إجماع واسع حول مصلحة الجميع وإن أمكن حول المصلحة العامة والسياسات العامة ما دامت عملية إرضاء جميع الأطراف تبقى صعبة المنال خصوصا وأن المصالح داخل المجتمع غالبا ما تكون متضاربة ومتناقضة. لكنه من خلال التوافق والحوار يمكن الوصول إلى حلول وسطى مقبولة من قبل الجميع كتدبير الاختلاف. ويتجلى ذلك من خلال تشكيل لجن سواء بالمؤسسات السجنية أو بالمندوبية العامة لاتخاذ القرارات الصائبة سواء لفائدة السجناء أو الموظفين.
المساواة: المساواة التي تسعى إلى إتاحة الفرصة لجميع الأفراد دون تمييز بين الجنسين للارتقاء الاجتماعي قصد تحسين أوضاعهم الاجتماعية، ويتجلى ذلك في إعمال مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص في عملية التوظيف والاستقطاب وتقلد مناصب المسؤولية وإعمال مبدأ الإنصاف، وفي جميع مراحل المسار المهني للموظفين العاملين بالمندوبية العامة، من جهة أخرى حرص القانون المنظم للسجون على إقامة المساواة بين جميع المعتقلين دون ميز ليس فقط لاعتبارات تفرضها ثقافة حقوق الإنسان، ولكن أيضا من منطلق الحرص على تكوين مجتمع مغربي فاضل يراعي كرامة الإنسان.
التخطيط الاستراتيجي التنموي: الذي يفترض تنظيم الهياكل الإدارية وفق مخططات التنمية، مع تحديد الأهداف الإستراتيجية وتنزيل برامج تجزيئية وتتأسس هذه المقاربة على عنصر الاستشراف الذي يمنح المنظمات العمومية والهيئات اللامركزية مرونة أكبر في تقدير وإقرار سياساتها العمومية، بالموازاة مع تطور الحاجيات التنموية وتسارع وتيرة التطور المجتمعي على مختلف الأصعدة والمجالات، ويتيح القدرة على وضع مخططات منسجمة مع الواقع ومع توسع مجالات التدخل التنموي المحلي.
ويهدف التنظيم الهيكلي الجديد للمندوبية العامة إلى تجسيد التوجيهات السامية الملكية من أجل:
إعـادة الانضباط والأمن داخل المؤسسات السجنية.
صيانة حقوق النزلاء والحفاظ على كرامتهـــم.
النهوض بوضعية المؤسسات السجنية وتأهيلهــا.
اعتماد تدبير احترافي دقيق و صارم للعمل بالمؤسسات السجنية.
تحديث وتطوير العمل بالمؤسسات السجنية بما يمكن من توفير الظروف الملائمــة لتحقيق إدماج فعلي وتأهيل حقيقي للنزلاء بعد الإفراج عنهم.
وتولي مديرية العمل الاجتماعي والثقافي وإعادة الإدماج أهمية كبيرة لبرامج التعليم ومحو الأمية والتكوين المهني بتنسيق مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء وعدد من الشركاء المعنيين، ما يتأتى معه تحقيق نتائج مشجعة تجسدت في ارتفاع عدد السجناء المستفيدين من هذه البرامج خلال المواسم الدراسية الثلاثة الأخيرة مقارنة مع المواسم الدراسية الثلاثة السابقة، إذ ارتفع العدد إلى نسبة تقارب 26 في المائة.
وبغية المضي في هذا النطاق لتحقيق نتائج أفضل تكرس المفهوم الإصلاحي لدور المؤسسات السجنية، مع الحرص على تأهيل السجناء وتمكينهم من مؤهلات معرفية ومهنة تساعد على إدماجهم داخل النسيج الاجتماعي بعد الإفراج عنهم، فقد فكرت في توفير ظروف اعتقال ملائمة تستجيب للمتطلبات الصحية وشروط الإيواء الواجبة، وقد استندت في ذلك على المحاور التالية:
المحور الأول: تطوير وتعزيز البنية التحتية للسجون، على مستوى بناء مراكز بيداغوجية جديدة مع تجهيزها بالمعدات اللازمة وتعميمها.
المحور الثاني: إعمال حكامة جيدة على مستوى تدبير المراكز البيداغوجية من خلال مايلي:
تفعيل وتوسيع مجال التعاون والتنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية على المستوى المركزي والمحلي والجهوي.
ملاءمة المساطر المتصلة بعملية تسجيل المستفيدين من البرامج التربوية واجتياز الامتحانات مع خصوصية ظروف الاعتقال.
تفعيل المراقبة اللازمة والمنظمة للعملية التربوية بالسجون وإعمال مبادئ التقييم والمحاسبة.
وتهدف المندوبية العامة بتدبير من مديرية العمل الاجتماعي والثقافي وإعادة الإدماج إلى تحقيق الأهداف التالية:
تعميم برامج التعليم على السجناء الأحداث.
تقليص نسبة الأمية في صفوف النزلاء.
تنويع شعب التعليم الجامعي لتشمل جميع الشرائح.
تطوير مجال البحوث الجامعية للنزلاء.
تكوين وتأهيل الأطر العاملة بفضاءات التدريس داخل السجون واعتبارها جزءا من الخريطة المدرسية في كل الشعب.
توحيد معايير الاستفادة من برامج التعليم وفق الشروط المحددة وطنيا ووفق ما يلائم الفضاء السجني.
التقليص من مشكلة الاكتضاض.
وعلى مستوى الحكامة الأمنية لضبط تحركات السجناء، وتأمين المراقبة بالمحيط الداخلي للسجون، تم إعمال نظام الحراسة المتحركة بممرات الطواف وتم الفصل بين الحراسة داخل المعقل وخارجه، كما قامت المندوبية العامة بجهود مهمة على مستوى التنقيب والتفتيش ومراقبة سلامة بنايات السجون، ودعم بنياتها التحتية وتعزيز الشروط الأمنية بها، حيث تأتى تعلية الأسوار الخارجية ووضع الأسلاك الشائكة بعدد هام من المؤسسات السجنية للتصدي لعمليات تسريب الممنوعات إلى داخل السجون وتم الفصل بين مهام الحراسة داخل المعقل وخارجه.
وقد أمكن بفعل هذه الجهود، وبفعل يقضة الموظفين، الحد من حالات الفرار ومن تسريب الممنوعات داخل السجون ولم تسجل أية حالة فرار سنة 2012.
وإذا كان التخطيط الاستراتيجي أحد مبادئ وقواعد الحكامة الجيدة، فإنه يعد أحد أهم أسس تحقيق التنمية الإنسانية المستدامة وأكثر الآليات التدبيرية فعالية ونجاعة وقدرة على استشراف التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مسايرة التطورات المجتمعية وتوسع مجالات تدخل المؤسسات السجنية، خاصة على مستوى الدور التنموي المناط بها في تأهيل وإعادة إدماج السجناء.
المسؤولية وسيادة القانون: وهي من أهم مبادئ الحكامة، على اعتبار أن تدبير الشأن العام المحلي والوطني يتطلب احترام المنظومة القانونية المؤطرة له، مع ضمان تطبيق القانون وتحديد المسؤوليات بشكل واضح يسمح بالمساءلة. كما يتعلق الأمر بشكل أساسي بمبدأ المساواة أمام القانون، وبفصل السلط واستقلال القضاء، وكذا وضوح القوانين وانسجامها مع التطبيق العملي. وفي هذا الإطار فإن النظام الأساسي الخاص بموظفي المندوبية العامة الصادر بتاريخ 7 نونبر 2008، يهدف مواكبة مستجدات العمل بالوسط السجني وتوفير ظروف أفضل للعمل والعطاء، من أجل تمكين المؤسسات السجنية من أداء دورها الأمني والتربوي المتمثل في تهيئ السبل الكفيلة بإعادة إدماج السجناء في المجتمع بعد الإفراج عنهم، ويهدف كذلك إلى ضبط المهام وإلغاء ازدواجيتها وتكريس مبدأ التخصص بشكل يتيح تحديد المسؤوليات وتحسين الأداء وتطوير الكفاءات، من خلال تصنيف الموظفين العاملين بالمؤسسات السجنية في هيئتين متكاملتين ومحددتي المهام وهما: هيئة الحراسة والأمن، وهيئة إعادة الإدماج.
كما نص القانون المنظم للسجون على مسؤولية مدير المؤسسة السجنية على السهر على التطبيق الدقيق للضوابط المتعلقة بالحفاظ على النظام والأمن بالمؤسسات السجنية.
وبالموازات مع الجهود المبذولة، تصدت المندوبية العامة بالحزم والصرامة الواجبتين لممارسات بعض الموظفين المخلة بالضوابط القانونية، من خلال إصدار العقوبات التأديبية القانونية في حق المتورطين وإحالة من يجب على القضاء عند الضرورة.
اعتماد مناهج التدبير Management: فتطور أداء المنظمات العمومية والمؤسسات العمومية وغيرها يتأسس على استعمال الوسائل الحديثة في علوم الإدارة والتدبير، واعتماد مبادئ الترشيد والفعالية، والتعامل مع المواطن بصفته مستفيدا من الخدمات العمومية وليس مجرد خاضع للإدارة.
وفي هذا الإطار اتخذت المندوبية العامة العديد من الإجراءات منها:
الفصل بين مهام الحراسة داخل المعقل وخارجه.
إحداث مكاتب الاستقبال والتوجيه والوساطة في حل النزاعات بالمؤسسات السجنية، وعينت بها أطر متخصصة في المجالين الاجتماعي والنفسي، تروم مهامها، الاهتمام باستقبال السجناء خلال مرحلة الإيداع بالسجن، وإطلاعهم على حقوقهم وواجباتهم، وأخذ بيانات عن وضعيتهم الاجتماعية والنفسية والجنائية، وتوجيههم خلال تنفيذ العقوبة، وإعمال الوساطة في حل بعض النزاعات في إطار تفريد نظام التأديب بالسجون، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الاجتماعية للمفرج عنهم.
وعلى مستوى عقلنة تدبير التوظيفات، عملت المندوبية العامة على برمجة استعمال المناصب المالية بناء على الحاجيات. واحترام الجدولة الزمنية المحددة لتحضير وإجراء المباريات، والإعلان على النتائج النهائية واستدعاء المقبولين، والاعتماد على معيار الكفاءة والخبرة في تعيين اللجان المشرفة على تقييم المرشحين.
وباعتبار أن المعلوميات تشكل آلية أساسية في مجال تطوير طرق العمل، وضمان السرعة والدقة في الإنجاز والتتبع والتواصل، فقد عملت المندوبية العامة على إحداث أنظمة معلومياتية جديدة في العديد من المجالات بالإضافة إلى تطوير التقنية الخاصة بالشبكة المعلومياتية للمندوبية العامة، وإعداد وتنفيذ برامج التكوين لفائدة أطرها في المجال المعلومياتي، ويمكن عرض أهم المنجزات على النحو التالي:
تطوير النظام المعلومياتي حول تدبير تنفيذ العقوبة والذي يتيح تتبع الوضعية الجنائية للسجناء بشكل مباشر وآني، بالإضافة إلى إمكانية التأشير الالكتروني على صحة بيانات الحركة اليومية للسجناء من طرف المسؤول عن الضبط القضائي، كما تم ضمن النظام ذاته، إحداث إصدار يمكن من تتبع المسار الدراسي والتكوين المهني للمعتقلين، وتتبع ومراقبة العملية التربوية بالسجون بشكل منتظم وفعال.
تم إحداث نظام معلومياتي حول تدبير الأدوية بالسجون، ويتيح هذا النظام تتبع استهلاك وتداول الأدوية بالمؤسسات السجنية كما يتيح انجاز برنامج توقعي لدراسة كمية وأصناف الأدوية وحاجات كل مؤسسة سجنية منها...
كما أن المندوبية العامة بصدد إحداث أنظمة معلومياتية أخرى حول تدبير المخازن، وتدبير أموال المعتقلين، بالإضافة إلى أنها بصدد إعادة هندسة وتصميم الموقع الالكتروني للمندوبية العامة.
وفي السياق ذاته، أمكن لجهود المندوبية العامة في هذا الإطار تحقيق نسبة مهمة تقدر ب 73%، حول ربط المؤسسات السجنية بالإدارة المركزية عبر الشبكة المعلومياتية، كما تم إنجاز الدراسات اللازمة في هذا الإطار على أساس توظيف تكنولوجيا تتيح تثبيت نظام المراقبة على بعد.
كما يجدر الذكر على أنه تم تمكين مجموعة من الموظفين من دورات تكوينية في المجال المعلومياتي لمواكبة هذه المستجدات الإيجابية في تدبير الشأن السجني.
التحفيز: تبدل المندوبية العامة جهودا متواصلة من أجل الرفع من مستوى أداء المؤسسات السجنية، كما أنها لا تدخر جهدا في سبيل تحسين الوضعية الإدارية والمالية للعاملين بها، إيمانا منها بأهمية تحفيز العنصر البشري في المساهمة في إنجاح مسلسل الإصلاح الشامل الذي انخرطت فيه منذ إحداثها بتاريخ 29 أبريل 2008. ويتجلى في مايلي:
إعادة النظر في نظام التعويضات والرفع من قيمته ويتعلق الأمر ب: التعويض عن الأخطار – التعويض عن الأعباء – التعويض عن التأهيل.
إحداث وتفعيل نظام التعويض عن الخدمات الليلية والساعات الإضافية،
إحداث وتفعيل التعويض الجزافي عن المسؤولية،
تسريع وثيرة الترقية في الرتبة أو في الدرجة،
تفعيل مقتضيات المرسوم رقم 2.06.525 الصادر بتاريخ 28 يونيو 2007 بتنظيم إجراءات استثنائية لتعيين الموظفين الحاصلين على إجازة للتعليم العالي في إطار متصرف مساعد والأطر المماثلة،
تحفيز الموظفين أثناء ضبطهم لتسريب الممنوعات،
الاستفادة من التأمين الصحي التكميلي وخدمات الإسعاف والنقل الصحي،
الاستفادة من خدمات المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي وزارة العدل والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج،
تأسيس جمعية التكافل الاجتماعي لموظفي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج...
خاتــمــة:
وبهذا، فقد حققت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج نتائج هامة، سواء على مستوى تدبير مواردها البشرية والمادية أو على مستوى برامج إعادة إدماج السجناء، مواكبة بذلك سياسة الحكومة في مجال إصلاح وتحديث الإدارة المغربية ودعم أسلوب اللاتركيز الإداري وتنفيذ سياسة الحكومة في مجال إعادة إدماج السجناء، والتنزيل الأمثل لمقتضيات الدستور.
الحكامة السجنية موضوع رائع
ردحذفموضوع مفيد
ردحذف👍👍👍👍
ردحذفمعلومات مفيده جدا
ردحذفمعلومة جملية يعطيك العافية
ردحذفموضوع مفيد جدا جدا الله يعينك نتظرين الجديد بقى
ردحذفدائما موفق
ردحذفإرسال تعليق