البرامج الإصلاحية و التـأهيلية  في السجون




لقد استقى في الفكر العقابي الحديث انه لكي تؤدي المؤسسات السجنية دورها الإصلاحي والتأهيل ، في إطار البعد المزدوج للعقوبة (ردع وتأهيل) فلابد من أن يكون لديها برامج وسياسيات هادفة مبنية على تلبية متطلبات النزيل النفسية والأخلاقية والدينية والمهنية والتي تكتسي أهمية بالغة في تعديل سلوك السجين وتؤهله للخروج والاندماج في المجتمع بعد انقضاء مدة العقوبة وسنتطرق لأهمية البرامج الإصلاحية في الفقرة الأولى على أن نتناول بعض أنواع البرامج الإصلاح والتهذيب في الفقرة الثانية.

أهمية البرامج الإصلاحية في تجسيد فلسفة الإصلاح وإعادة الادماج

إن الدور الإصلاحي والتربوي التي تنهجه المؤسسات السجنية، يهدف بالأساس إلى إعادة الثقة في نفوس المدانين (السجناء)، لتوجيههم في أعمال مهنية، وتعليمية حسب مستوياتهم الدراسية قصد تكوينهم وإعطاءهم فرصا جديدة في الاستفادة من مختلف الميادين طيلة قضاء العقوبة[10].

وهذا لا يتأتى إلا بخلق اوراش مهنية، ومراكز تعليمية تربوية، وتوفير مجال التنشيط الفني، الثقافي الرياضي، لنجعل من العنصر المنحرف بعد إصلاحه، شخصا لائقا في المجتمع، حتى لا يعود إلى الصراع من جديد بعد الإفراج فالوقاية خير من العلاج كما يقال.

ولقد أصبحت نظرة المجتمع للسجناء السلبية أو الحبس أصبحت متجاوزة ولا اعتبار لهذا المفهوم في تقييد الحرية أمام حداثته المؤسسات السجنية، ومرتكز الإصلاح، وإعطاء البديل لها، بل أصبح بالإمكان الرؤية إلى السجناء أو المعتقلين، أو المدانين أو النزلاء كأفراد منحرفين أو جانحين يجب إصلاحهم، وتأهيلهم بأي وسيلة لكي يعودوا إلى المجتمع.

وحيث أن الغاية هي حماية المجتمع من الانحراف، والجريمة ومكافحتها بأي طرق رادعة، فإنه يتعين القيام بمجموعة من المجهودات المتواصلة في هذا المجال بمساعدة فعاليات المجتمع المدني لمحاربة هذا الداء (الجريمة)، وكيفما كان الأمر فإن على عاتق المؤسسات السجنية والمراكز الإصلاحية مسؤوليات كبيرة لمكافحة الجريمة بشتى الوسائل الإصلاحية، والتربوية و التأهيلية إلى غيرها من الوسائل التي ستحقق نوعا من الإصلاح وتساعد المنحرف على إعادة إدماجه داخل المجتمع.

فالسجون هي عبارة عن وحدات لإعادة تربية وتأهيل كل المخالفين والخراجين عن القانون، بهدف الحفاظ على التماسك الاجتماعي وكل ما من شانه المساس بالحقوق الفردية والجماعية للأفراد والجماعات وكذا مؤسسات الدولة، إن ماهية إحداث المؤسسات السجنية تقترن بصفة مباشرة بإعادة تأهيل وتسهيل الاندماج وسط المجتمع بعد انقضاء العقوبة الحبسية.

التأهيل المادي والمعنوي للسجناء 

ا

إن عملية الإصلاح في المفهوم السجني تتبلور فيما مدى تقويم السجين وتأهيله أي جعله قادرا، مسؤولا متمكنا من نفسه لمواجهة الحياة العادية بكل ثقة، كي يسهل إدماجه في وسطه الاجتماعي والأسري، وتجنب وقوع المجرم في الانحراف والإجرام مرة أخرى منذ خروجه من المؤسسة السجنية، والعمل على تأهيله بشكل يساعد على إدماجه داخل المجتمع بسهولة عبر مجموعة من البرامج والوسائل الإصلاحية على جميع المستويات.

فمن جملة البرامج والمساعدات الاجتماعية الموجودة رهن إشارة السجناء بدون تمييز سواء في مجال التربية والتأهيل أو مجال المساعدة الاجتماعية حيث تندرج هذه البرامج المقدمة في شكلها التربوي والأخلاقي والاجتماعي والإعلامي بكل انتظام وانضباط واهتمام بالغ وشفافية مطلقة منفتحة أمام الوافدين من النزلاء والمراقبين والمهتمين بحقوق الإنسان لكي يضطلع الجميع على المؤسسات السجنية والإصلاحية من مسؤوليات عظمى اتجاه الإنسان.

1-      التأهيل المادي للسجين:

إن أهم ما يمكن التركيز عليه في مجال التربية والتأهيل المقدمة للنزلاء وهم داخل أسوار السجن هو مساعدتهم على التعلم والتكوين في مختلف المهن وكذا الإفصاح عن ملكاتهم بالتعبير والإبداع، وذلك من أجل الخروج من ظلمات السجن والروتين اليومي في السجن، حيث كان السجناء في العصور القديمة  يتظاهرون بالحياة ويقضون معظم أوقاتهم في نبش الذكريات لاستدعاء لقطات سابقة يتماهى معها السجين ويتلذذ بإعادة تصورها كما قال  نيتشه "نحن لا نتحرر إلا من خلال التذكر"، فاللجوء إلى أحلام اليقظة من أجل نسج صور من المتعة تقذف بالسجين في خارج الأسوار السجن، وهناك من السجناء من كانوا ينشغلون بالحكايات والطرائف لملئ أوقاتهم، لكن في الوقت الحالي استحدثت التشريعات مجموعة من البرامج في مجال التربية والتأهيل كتعليم السجناء والسهر على إعداد برامج في التكوين المهني، وكذا الوعظ والإرشاد الديني ودروس محو الأمية وكذا التنشيط الفني والثقافي والرياضي.

أ‌- التأهيل التربوي:

· التعليم:

إن الإقبال على التعليم في جميع مراحله داخل المؤسسة السجنية أمر ضروري ومفيد فعملية التعلم والتهذيب داخل السجون كانت لها جذور قديمة منذ عهد سيدنا يوسف عليه السلام حيث كان بعض السجناء يعلمهم الحكام الشرعية مصداقا لقوله تعالى: «يا صاحبي السجن أأرباب متفوقون خير أم الله الواحد القهار»وفي هذا الصدد عملت مديرية السجون وإعادة الإدماج على فتح أقسام تعليمية في جميع المؤسسات السجنية والإصلاحية تتوفر على الإمكانيات اللازمة من مقاعد وأدوات دراسية ومقررات طبقا لمناهج التعليم المعمول بها خارج السجن من طرف وزارة التربية الوطنية وكذا التعليم العالي على جميع المستويات.

حيث يقوم بمهمة التدريس معلمين وأساتذة أو موظفين مؤهلين لهذه المهمة، لقد أصبح للتعليم داخل المؤسسات السجنية في الأنظمة العقابية الحرية دورا أساسين لا يقل بحال من الأحوال عن دوره في المجتمع الحر فهو وسيلة لمحو الأمية والجهل وهما عاملان إجراميان دون شك، وبالتالي فهو وسيلة لاستئصال عوامل الجريمة وإزالة أسباب  العودة إلى الإجرام في المستقبل كما أن التعليم يساهم في تأهيل السجناء، فالمتعلم المفرج عنه يستطيع أن يحصل على فرصة للكسب الشريف، وهو كذلك وسيلة لتنمية الإمكانيات الذهنية والفكرية للنزيل مما يؤدي إلى تغيير أسلوب تفكيره وطريقة حكمه على الأشياء مما يؤدي إلى الانتقال إلى فئة ذوي التفكير المتنكر للإجراء والسلوك المنحرف،وقد اعترفت غالبية التشريعات بأهمية تعليم المسجونين وجعله جزءا من خطتها العقابية الهادفة إلى التأهيل، وقد أكد على ذلك البند رقم (77) من قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء بقوله تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه بما في ذلك التعليم الديني بالبلدان التي يمكن فيها ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول الأوربية كالنرويج وفرنسا وإيطاليا تستخدم التعليم الالكتروني لمساعدة السجناء للتغلب على بعض العقبات في عملية التعليم على اعتبار أن التعليم من شأنه الحد من النشاط الإجرامي، كما تمت الإشارة إليه إلى جانب عملية تعليم السجناء، هناك برنامج آخر لا يقل أهمية هو محو الأمية، حيث أخذت كل المؤسسات السجنية والإصلاحية على عاتقها فرض مفهوم إجبارية محو الأمية أمام النزلاء نظرا للظروف المعيشة التي كانوا عليها، وحرمتهم كل وسائل فرص التعليم، ويتم تنسيق برامج محو الأمية مع وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني حيث في آخر مرحلة تعليمية يتم تسليم للمستفيدين شهادات تثبت نجاحهم في اجتياز مرحلة الأمية.

· الوعظ والإرشاد الديني:

تحظى العناية بالتوجيه الديني داخل المؤسسات السجنية بقبول ونصيب أوفر لآثار الدين في نفوس النزلاء من مزايا حميدة فطرية وعميقة نظرا لما يتضمنه الدين من قواعد أخلاقية وإنسانية، والحث على السلوك المستقيم.

حيث تلقت الدروس في الوعظ والإرشاد من طرف الفقهاء والعلماء المرشدين التابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كما يستفيد النساء المعتقلات من دروس التربية الدينية التي يشرف عليها مربيات ومرشدات والغاية هو بعث الروح الأمل والتربية الحسنة ورد الثقة في النفوس الجانحة والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.

ب  التأهيل في مجال التكوين المهني:

يعتبر التكوين المهني من أساليب الإصلاح والإدماج، ويتمثل ذلك في تدريب النزيل على ممارسة إحدى المهن يستطيع بواسطتها استئناف حياته بعد خروجه من السجن ومن بين أهم هذه الأعمال التي تقوم بها المؤسسات السجنية لصالح المدانين السجناء تلقيهم وتكوينهم في مجموعة من الاختصاصات ... كالنجارة – الزخرفة، الحدادة، الكهرباء، الترصيص، وكذا تعليم الطرز والزرابي وحياكة الصوف بالنسبة للسجينات من النساء، وبالنظر لأهمية التكوين المهني وعلى غرار باقي الدول فقد أولى المشرع المغربي أهمية كبيرة لهذا الموضع، وذلك في المواد 10 و11 من قانون المنظم السجون 23.98 ويسهر على تكوين المعتقلين في مختلف الحرف أساتذة تابعين لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وأطر من وزارة الفلاحة ومندوبية الشؤون الاجتماعية والصناعة التقليدية أو من طرف موظفين مؤهلين لذلك، ويتم تسليم الشواهد المهنية للناجحين معترفا بها وموقعة من طرف مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (المواد 122 و123 من المرسوم تطبيقي)، وفي تجربة فردية من نوعها في مجال التكوين المهني داخل السجون قامت مؤسسة جيسون الإصلاحية التي تبعد ب 42 كيلومتر عن العاصمة الأمريكية واشنطن التي تأسست منذ سنة 1879، حيث قام وفد دولي من الصحافيين بزيارة لهذه المؤسسة  تعاقد للإطلاع على تجربة إصلاح وتأهيل 1800 من نزلاء السجن، ووقفوا على مجموعة من الإنجازات والمشاريع التي تتوفر عليها هذه المؤسسة الإصلاحية من بينها مصنع الأثاث ومصنع للملابس التي تغطي كافة احتياجات النزلاء وأفراد الأمن كذلك ويحصل النزلاء على حوالي ثلاث دولارات في الساعة كأجر رمزي من إدارة السجن في حين نجد السجين المغربي يحصل على أقل من 10 دراهم في اليوم من العمل داخل السجن، كما أن هناك مشروع لإنتاج اللوحات المعدنية للسيارات كم تجب الإشارة إلى أن هذه المؤسسة وصلت عائداتها إلى حوالي 60 مليون دولار سنويا.

ج  الرعاية الصحية للسجناء:

لتحقيق تأهيل هادف لابد من توفير رعاية صحية للسجناء نظرا لاعتباره من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها السجينة من الناحيتين الجسدية والعقلية، حيث نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 12) "من حق كل فرد التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية" فغالبا ما يصل السجناء إلى السجن وهم يعانون من مشاكل صحية لديهم مسبقا التي قد تكون ناجحة عن حياة السجين قبل دخوله السجن ففي كثير من البلدان يصاب السجناء بنسب كبيرة من أمراض معدية (السل، التهاب الكبد ..) وتتحمل إدارة السجن جزء من مسؤولية في ذلك.

فالتأهيل إذن يشمل مجموعة من المجالات ومن أهمها توفير رعاية صحية وبنية صحية سليمة من اجل تشجيعه على تنفيذ برامج التأهيل الأخرى.

فالمؤسسات السجنية بالمغرب تتوفر على أطباء قارون حيث يصل عددهم حسب إحصائيات لسنة 2014 ما يقارب 151 طبيب قار، و35 طبيب متعاقد معهم، أما أخصائيون علم النفس فيصل عددهم إلى 38 أما الممرضون المجازون فقد بلغ عددهم 33 عنصرا في كل سجون المملكة.

هذا ما يبين مدى سعي إدارة السجون إلى توفير رعاية صحية جيدة رغم مجموعة من الأزمات التي تتجلى غالبا في الاختصاص في قلة الأطر البشرية. ويتمركز عدد الكبير من الأطباء في السجون الكبيرة سجن عين السبع بالبيضاء الذي يتوفر على أطباء قارون في حين يصل عدد الأطباء المتعاقد معهم في سجن سلا إلى 5 أطباء في تخصصات مختلفة إلا أن هناك 8 سجون أخرى لا تتوفر على طبيب سواء قارا أو متعاقد معه كسجن الحسيمة وصفرو وسجن علي مومن.

1-  التأهيل المعنوي:

يعتمد التأهيل المعنوي إلى جانب التأهيل المادي إلى إصلاح السجين لإعادة إدماجه داخل المجتمع وذلك بتوفير مجموعة من البرامج سواء في المجال الاجتماعي كتوفير أخصائيين اجتماعيين يستمعون إلى مشاكل السجناء لمعالجتها والوقوف على مكامن الخلل في مجال التأطير والتأهيل، وهده البرامج تهدف إلى الدعم التأهيل النفسي للمسجونين نظرا لما يشكل فضاء السجن من تأثير على نفسيته وخاصة إذا لم يكن من أصحاب السوابق، فما هي البرامج التي تسعى إلى تأهيل السجين نفسيا واجتماعيا.


2 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم