تصنيف المعتقلين داخل السجون 

لقد تطورت أساليب تنفيذ العقوبات السالبة للحرية ، مع تطور علمي الإجرام والعقاب ، ومفهوم العقوبة والغائية منها ، حيث أصبحت تقوم على أساس الإصلاح والتأهيل بدل التشفي والانتقام ، اعتمادا على ما يسمى بمبدا " تفريد العقوبة " من خلال تفعيل مجموعة من الآليات مثل  العقوبات البديلة ، ونظامي العفو والإفراج المقيد بشروط ، وتغيير نظام الاعتقال ، والترحيل ، والتصنيف الذي بات يجسد قطب رحى عمل المنظومة السجنية المغربية باعتباره أولا نظاما يوافق الفطرة البشرية ،   ويتناسب والثقافة المغربية المحافظة ، ويتناغم والشرائع السماوية والقوانين الوضعية ، وباعتباره أيضا إحدى أهم مظاهر الحفاظ على كرامة الإنسان حرا كان أم نزيلا ، وباعتباره أيضا احد أهم ضمانات نجاح البرامج الأمنية والتاهيلية والإدماجية
ولإعطاء هذا الموضوع القيم حقه من الدراسة والتحليل ، فإنني سأتناوله من خلال (استقراء مفهومه ) في المطلب الأول ، و( استكناه طبيعته القانونية ) في المطلب الثاني ، ومعرفة ( نظامه القانوني ) في المطلب الثالث.
العرض :

المطلب الأول : مفهوم التصنيف
التصنيف لغة: هوالتقسيم والتفييئ والتمييز.
التصنيف اصطلاحا ،تحديد حاجيات كل معتقل على حدة ،اعتمادا على ضوابط موضوعية وعلمية ،  وتخصيصه بالجرعات الأمنية والإدماجية المناسبة لتأهيله وإصلاحه، وتسهيل إدماجه في المجتمع .
وهو آلية أصيلة ومتجذرة في الترسانة القانونية للمنظومة السجنية ، كآلية من آليات تفريد المعاملة العقابية ، تقوم به على الصعيد المركزي لجنة التصنيف .
وفي إطار التخلص من سلبيات التمركز الإداري، ومن اجل تنزيل مقتضيات استحداث الجهويات  السجنية  ، وتفعيل إدارة القرب والقطع مع القرارات الممركزة ، فقد تم استحداث لجان تصنيف على صعيد كل مؤسسة سجنية ، عهد إليها بتنفيذ وتطبيق مقتضيات التصنيف  .
ويرمي هدا النظام إلى تصنيف السجناء إلى ثلاثة أصناف :
1-  صنف (ألف ):
 ويخصص للسجناء الخطيرين ، الذين  يخضعون فيه للبرامج التاهيلية النفسية والعلاجية . ويمتاز بنظام حراسة عالي .
2-  صنف (باء ) :
ويخصص للسجناء الأقل خطورة من سجناء صنف الف ،يخضع فيه السجناء للبرامج التأهيل المهني والتربوي ، ويمتاز بنظام حراسة متوسط .
3-  صنف (جيم ) :
 ويخصص للسجناء الأقل خطورة ، والذين اقترب الإفراج عنهم ، يخضعون فيه للبرامج الإدماجية ، ويمتاز بنظام حراسة خفيف .
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية للتصنيف
إن تحديد الطبيعة القانونية للتصنيف ، ومن خلاله للقرارات الصادرة بشانه  على مستوى كل مؤسسة سجنية ، وقوتها الإلزامية من حيث حجيتها ، أو طرق التظلم منها او الطعن فيها يقتضي ابتداء بيان( خصائص نظام التصنيف ) في الفرع الأول، و(مميزات القرارات الصادرة عنه ) في الفرع الثاني .
 الفرع الأول :خصائص نظام التصنيف :
-الشرعية :
يعتبر التصنيف الذي شرعت فيه المندوبية العامة لإدارة السجون نظاما مشروعا ، وإجراء قانونيا ، ذلك لأنه منصوص عليه في القانون 23/98 ، والمرسوم التطبيقي الصادر بشأنه ، حيث ورد في المادة 3 من القانون المذكور انه " تقسم المؤسسات السجنية إلى أصناف حسب أهميتها وتخصصها ودلك بقرار لوزير العدل يتم نشره بالجريدة الرسمية " ، وجاء في المادة29 منه على انه " يوزع المدانون على المؤسسات المخصصة لتنفيذ العقوبات المشار إليها في المادة 8 أعلاه ، على أن يراعى بصفة خاصة عند التوزيع جنس المعتقل ، وسكنى عائلته وسنه وحالته الجنائية وسوابقه وحالته الصحية والبدنية والعقلية ، ومؤهلاته ، وبصفة اعم شخصيته ، وكذا النظام السجني الذي يخضع له ، قصد إعادة إدماجه الاجتماعي ".
كما جاء في الدليل الأمني على انه يتم استحداث لجنة محلية على مستوى كل موسسة سجنية ، تسمى لجنة التصنيف ، تتكون من رؤساء المصالح بالمؤسسة ، يرأسها مديرها ، ويعهد إليها بتصنيف المعتقلين بناء على معايير علمية محددة سلفا في استمارة التصنيف والتي تعتمد المعايير الموضوعية المشار أليها في المواد القانونية المذكورة أعلاه.
علاوة على ما سبق ذكره ، فقد جاء هذا التصنيف منسجما والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي تنص في مادتها الثامنة على أن توضع فئات السجناء المختلفة في مؤسسات مختلفة أو أجزاء مختلفة من المؤسسة ، مع مراعاة جنسهم وعمرهم وسجل سوابقهم وأسباب احتجازهم ، ومتطلبات إدماجهم .
وفي تكريس مبدأ شرعية التصنيف فائدة كبرى ، تتمثل في كونه الأساس القانوني لرقابة الجهات المعنية القضائية والإدارية ، فالرقابة هي الأثر العملي الملازم لمبدأ الشرعية .
-الامنية :
يعتبر التصنيف ، وتفعيله وفق الضوابط الموضوعية والعلمية ، الية جوهرية في الحفاظ على امن المؤسسة وسلامة نزلائها ، وذلك من خلال تحديد  العناصر الخطيرة وتاطيرها ، والتعرف عليها من طرف كل الموظفين ، وبالتالي اتخاذ سبل الحيطة واليقظة  ، والتنبا المسبق ، واتخاذ الإجراء اللازم في الوقت اللازم .
خصوصا في محاربة التطرف الديني داخل السجون الذي أصبح حقيقة لا يمكن السكوت عنها أو تجاهلها ، وما يقوم به حملة  هذا الفكر،  من محاولات الثبات على مواقفهم المتطرفة من جهة ، واستقطاب السجناء الآخرين إلى صفهم من جهة أخرى  .
وبالتصنيف تتمكن المؤسسة من تطبيق برامجها الأمنية بنجاعة ، تامن من خلاله أمنها وامن المجتمع بأكمله .
-العلمية :
يقوم التصنيف على مجموعة من المبادئ والمقومات ، تتعلق بوضع استمارات واليات  علمية تتضمن مجموعة من المعايير الموضوعية يتم اعتمادها لتحديد نوع الصنف الذي سيوضع فيه كل سجين، تهم السن والتهمة والمدة المتبقية من العقوبة والسوابق الإجرامية ، والسلوكيات المتبعة ، والانخراط في البرامج التربوية ...، وتقييم كل دلك بعمليات حسابية للنقط والعلامات المحصل عليها ، للوصول إلى نتيجة مفاده الصنف المناسب .
-النفعية :
يهدف تصنيف المعتقلين بالمؤسسات السجنية أولا التمكن من تحديد حاجيات المعتقلين كل حالة على حدة ، ومن ثم تخصيص كل فئة بالبرامج ذات الأولوية ، والقمينة بتحقيق إدماج فعال وحقيقي .
كما يرمي التصنيف  التخفيف من الآثار السلبية لاختلاط السجناء المبتدئين أو المقترفين للجرائم البسيطة مع  سجناء ذوي السوابق الإجرامية ، وحماية السجناء من اعتداء بعضهم على بعض ، ومحاربة الاستقطاب بكل أشكاله ، وحصره في أضيق الحدود.
-الشخصية :
ويقتضي هذا أن التصنيف يقوم على مقومات في شخص المعتقل كل واحد على حدة ،مصداقا لقوله تعالى " وان ليس للانسان الا ما سعى ، وان سعيه سوف يرى "
 مما يحتم تجميع المعتقلين دوي النزعات والسوابق والخصوصيات المشتركة أو المتقاربة في نفس الفئة ، وتفادي التعميم بما من شانه أن ينعكس اثر التصنيف على الشخص المعني وتحفيزه في اتجاه تحسين تصنيفه .
-التحفيزية :
إن هذا النظام إذا كان يرمي تاطير السجين في الصنف الذي يناسبه من اجل تخصيصه بالبرامج المفيدة في تأمينه وعلاجه وتأهيله ، من منطلق مقومات السجين الذاتية الراهنة ، فانه يهدف بالأساس تشجيعه على بدل مجهوده الخاص في اتجاه تحسين مركزه ، وتغيير صنفه بصنف أحسن ، من خلال إتباعه الضوابط وانخراطه في البرامج المؤدية إلى ذلك .
-العدالة :
وعدالة الشيء ، تفيد أن هناك ضرورة لتقريره ، وان لا غنى عنه في نجاح برنامج ما ، وعدالة إجراء ما ، معناه أن يكون مناسبا مع الشروط الموضوعية والشخصية ، والتصنيف أيضا فرضته ضرورة الأمن والانسنة والتخليق والحكامة والإدماج ، وبالتالي فهو نظام عادل .
كما انه ليس من العدل أن يعيش سجناء الصدفة مع السجناء الخطيرين .وليس من العدل تخصيص الفئتين بنفس المعاملة العقابية .
 الفرع الثاني ،مميزات قرار لجنة التصنيف :
تتكون لجنة التصنيف على صعيد كل مؤسسة سجنية من :
-مدير المؤسسة رئيسا .
رئيس مصلحة الضبط القضائي عضوا.
رئيس مصلحة العمل الاجتماعي عضوا .
رئيس مصلحة الأمن والانضباط عضوا .
........................................مقررا .
تجتمع هده اللجنة مرة كل أربعة أشهر ، كما أنها يمكن أن تجتمع استثنائيا كل ما دعت إلى دلك حاجة ، وتتدارس وضعية المعتقلين من اجل تصنيفهم أو إعادة تصنيفهم ، وتتداول دلك دون حضور المعتقلين ، اعتمادا على استمارة التصنيف .وتكون نتيجة تداولها تصنيف السجين في احد الأصناف الثلاثة ، صنف ألف ،أو صنف باء ،أو صنف جيم 

Post a Comment

أحدث أقدم