المعوقات المادية لإعادة التأهيل السجناء



إعادة التأهيل والإصلاح في السجون

إن عملية إعادة التأهيل والإصلاح في السجون تتطلب إمكانيات ومهارات خاصة وعناصر فنية مدربة ومؤهلة وهو ما لا تتوفر عليه العديد من المؤسسات لأنها لا تمثل بالنسبة لها متطلبات ضرورية فهي تعد في عداد المفقود حاليا،  ومن الأسباب التي تجعل مؤسساتنا بمختلف أشكالها غير قادرة على أداء وظيفتها حتى ولو توفرت لدى المشرفين عليها قناعات في هذا الشأن هو إمكانياتها الحالية من مرافق ومبان ومعدات، إذ تعجز عن تطبيق فكرة تصنيف السجناء والتي تعتبر من أساسيات قانون تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، هذا بالإضافة إلى العجز الظاهر في العناصر ذوي الكفاءات والمتخصصين في علوم الاجتماع والطب النفسي والخدمة الاجتماعية الذين بإمكانهم تأهيل السجناء، ومن هذا المنطلق سنتناول العراقيل المادية والبشرية التي تحول دون قيام المؤسسة السجنية بوظائفها.

1 - قلة الإمكانيات المادية والبشرية

إن المؤسسة السجنية لم تستطع القيام بمهمتها الأساسية التي وجدت من أجلها آلا وهي العمل على الحد والوقاية من الجريمة وتحقيق الاندماج الاجتماعي للنزلاء، فبرزت أفكار جديدة أكثر واقعية من تلك الأفكار المتفائلة السائدة في بداية الخمسينات والستينات والتي كانت ترى في النظام الجديد للمؤسسات السجنية آنذاك على أنه الحل الأمثل والذي كان يهدف أساسا إلى الإصلاح والتدريب على الوقاية والحد من الجريمة وإدماج الأفراد الخارجين من المؤسسات الإصلاحية في المجتمع، لقد أصبحت النظرة الحالية للسجون تنطلق من قناعة أساسية مفادها أن السجون لم تعد ذات فاعلية في تقويم المنحرفين، بل إن البعض أصبح يطلق على السجون أنها أماكن لتفريخ السلوك الخارج عن القانون بدلا من أن تكون مؤسسات اجتماعية لإعادة التأهيل، وهناك نظريات أكثر سوداوية للسجون ترى أنها نوع من الشر لأنها أصبحت أماكن لتعليم الشر لكل من يدخلها إذ يلتقي النزيل مع مجرمين سابقين يلقنونه دروسا جديدة في الإجرام ويعلمونه أحدث أساليب ووسائل الجريمة ومن ثم يتخرج من السجن وهو يفكر في ارتكاب الجريمة الثانية مع ترسب الكراهية والعداوة للمجتمع.

ونتيجة لذلك يرى بعض الباحثين أن السجن كعقوبة لم يؤت ثماره وأنه مهما قدم من برامج وأنشطة فإن تأثيره على النزلاء يبقى قليلا ومحدودا وغير مجدي في إصلاحهم وإعادتهم أسوياء للمجتمع، لأن وظيفة السجن لا تعدو أن تكون وسيلة للترهيب، في حين تراهن طائفة أخرى على مواكبة المؤسسات السجنية لصيرورة التطور الذي تشهده المجتمعات.

إن المؤسسة السجنية تواجه العديد من العقبات المادية تحول دون تحقيق العقوبة السالبة للحرية لهدف التأهيل سواء بالنسبة لإنشاء مباني السجن على أسس حديثة تتناسب مع الدور الإصلاحي أو إيجاد الإدارة العقابية السليمة التي تعتمد على الفنيين والأخصائيين المزودين بالتقنيات اللازمة لإجراء عمليات الفحص والتصنيف والمتابعة، أو بالنسبة التأهيل النفسي للمسجونين ورعايتهم صحيا واجتماعيا وتعليميا، فهذه كلها بلا شك عقبات قائمة الآن في معظم دول العالم في وجه إمكانية تحقيق العقوبة لهدف التأهيل ولا تملك السيطرة عليها وتذليلها بقدر الإمكان إلا قلة من الدول الغنية التي تتيح إمكانياتها المادية والبشرية والحضارية أن تتغلب على هذه العقبات، هذا في الوقت الذي تقف معظم الدول النامية عاجزة أمام هذه العقبات لا تستطيع السيطرة عليها ولا تذليلها، لأن إنشاء المؤسسات السجنية، بمختلف أنواعها وخاصة المخصصة للأحداث، وإدارتها وحراستها يكلف الدولة أموالا طائلة، هذا إذا كانت لتقييد حرية المحكوم عليه ومنع هروبهم فقط أما إذا أريد إضافة الإصلاح والتأهيل بإعادة الاندماج الاجتماعي كمواطنين صالحين فإن ذلك يكلف الدولة أموالا قد تعجز عنها الكثير من الدول أمام تزايد المودعين بالمؤسسات السجنية، وهو ما يدفعنا إلى القول بأن هذه الأخيرة بأوضاعها الحالية إذا استطاعت أن تحتفظ للمجرم المودع لديها بمستواه الصحي والنفسي والخلقي والاجتماعي عند المستوى الذي دخله دون أن تفسد حياة السجن كل عناصر الاستقامة التي من الممكن الاحتفاظ بها رغم السلوك الجانح، فإنها تكون قد أدت مهمة تفوق بكثير كل الإمكانيات المتاحة لها، ومن بين المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها للقول بأن السجن فشل في أداء دوره الإصلاحي، أساليب المعاملة العقابية والعمليات التي تستهدف تأهيل النزيل والتأثير على سلوكه كالتهذيب الديني والأخلاقي والتعليم والتدريب... وغيرها لا تؤدي دورها في إصلاح وتأهيل النزيل وتعديل سلوكه، بل إنها على العكس من ذلك بسبب انضباطها لخلفية أمنية قوامها القمع والممارسات المشينة فإنها تصبح أداة لتكريس الانحراف، وبالطبع فالعوامل التي تقف وراء هذا التحول الوظيفي تظل كثيرة ومتنوعة وصعبة الحصر بدقة متناهية، فهناك من جهة ضعف الكفاءة الإدارية وعدم إلمام الإدارة والعاملين بالسجون بدورهم في تأهيل السجناء.

إن المؤسسة السجنية تشتمل على أطراف عدة شأن سائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتسود هذه الأطراف علاقات وتفاعلات فيما بينها وغالبا ما تكون نتائج هذه العلاقات متعارضة وضد الهدف الأساسي الذي يريده المجتمع من إقامة النزلاء في المؤسسات الإصلاحية.

ونتيجة لهذا الوضع يطرأ بالضرورة تدهور، أو تعطيل، للبرامج التأهيلية والإصلاحية المعدة للنزلاء، لأن البعض منهم والتي تأصلت فيه النوازع الإجرامية يستغلون هذا الوضع لفرض سيطرتهم على النزلاء الآخرين ويمارسون ضغوطا عليهم لكي يشاركوهم ثقافتهم ويفرضون إرادتهم على المذنبين المبتدئين، وهكذا يتبدد الاقتناع لديهم بضرورة الإصلاح والتأهيل والتهذيب، نظرا إلى اختلاف وتضارب المصالح –عن فهم أو سوء فهم- بين هذه الفئات وهو ما يؤدي إلى فقدان السجن لوظيفته الإصلاحية التأهيلية، وهذا ما سيفضي بالنزلاء إلى بناء علاقات فيما بينهم تسودها نشاطات هامشية منحرفة.

إن مختلف المؤسسات السجنية تشكو من عوائق عديدة تحول دون القيام بمهامها على أحسن ما يرام في مجال إعادة التربية والتهذيب وضمان سير عادي لدراستهم أو عملهم المهني، ومن أبرزها إلى جانب ما قيل سلفا هزالة الاعتمادات المالية المرصودة من قبل الجهات المعنية، فالميزانية المخصصة غير كافية بكل المقاييس وهو ما يفسر أن الدولة تصرف على السجين الواحد أربعة دراهم في اليوم فقط ، وهو ما ينعكس على المستوى الصحي والغذائي لنزلاء المؤسسات السجنية إذ ينحدر معظمهم من أسر فقيرة ومعدمة وذات مستويات تعليم محدودة فالوضع السوسيو اقتصادي للأحداث يتعين تخطيه داخل المؤسسة وليس تكريسه.

لكن قراءة واقع المؤسسات السجنية لن تكتمل لدينا دون أن نسلط الضوء على أهم ظاهرة تعيشها مختلف المؤسسات وهي الاكتظاظ التي تزيد غياب مؤسسات خاصة بالأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة من استفحالها وعدم فعالية مبدأ التصنيف.

2 -  تفشي ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسة السجنية

يعد الاكتظاظ من أكبر مشاكل مؤسسة السجون بالمغرب وهو المسؤول إلى حد كبير عن تنامي وتفشي العديد من الظواهر والسلوكات الإنحرافية داخل هذه المؤسسات الإصلاحية.

ومن الآثار السلبية الناجمة عن التكدس في المؤسسات السجنية فشل عملية التصنيف حيث تتطلب هذه الأخيرة توفير إمكانيات منها مكان فسيح لإقامة النزلاء في مجموعات متجانسة اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ومنفصلة عن المجموعات الأخرى وتحدد  دورات تدريبية للسجناء تأهيلية  تناسب وظروفها.

إن اكتظاظ السجون يؤدي إلى زيادة معاناة النزيل نتيجة إقامته في غرفة أو زنزانة بها أعداد أكثر من طاقتها الاستيعابية وتزداد المعاناة أكثر لدى من يعاني من مشاكل نفسية نتيجة لدخوله السجن مثل الاكتئاب والإنطواء الاجتماعي والعزلة، ومن الممكن أن ينجم عن هذا الوضع بصفة عامة أو داخل العنابر بشكل خاص إشكاليات كثيرة مثل الشغب والعنف تزيد من تأجج وتفاقم المشاكل الأمنية والصحية أمام انتشار الأمراض لصعوبة عزل النزلاء المصابين عن الأصحاء لضيق المكان من جانب ومن جانب آخر للقصور في الخدمات الصحية لأن الضغط عليها لا يساعد على اكتشاف النزلاء المصابين في الوقت المناسب .

إذن في ظل هذه الأوضاع الموسومة بالاكتظاظ والعنف وسوء التغذية وضعف الرعاية الصحية لابد أن تتنامى العديد من الظواهر والسلوكات الإنحرافية من أبرزها ظاهرة الشذوذ الجنسي التي تعد من أكثر الظواهر انتشارا وشيوعا في الفضاء السجني، وتعتبر فئة الأحداث وذوي البنيات الضعيفة الشريحة الأكثر عرضة للانتهاكات الجنسية خصوصا مع اختلاط السجناء على مستوى الفئات العمرية إذ نلامس فرقا كبيرا بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وقد كشفت العديد من التقارير الصادرة عن بعض الهيئات غير الحكومية المعنية بنزلاء المؤسسات السجنية الوضع الكارثي الذي تعرفه هذه المؤسسات إذ ترزح تحت ظاهرة الرشوة، حتى غدت إحدى الثوابت فيها، وبالتالي أصبحت تقوض أسس كل مشروع لإصلاح هذه المؤسسات بالإضافة إلى الابتزاز والمحسوبية التي تفرز مظاهر التفاوت بين النزلاء، وهي ظواهر طبيعية أمام الاكتظاظ الذي تعرفه.

إن الوضع الذي تعيشه المؤسسة السجنية من أوضاع مادية وبشرية بالإضافة إلى العبء الذي تتحمله نتيجة الاختلالات التي يعرفها جهاز العدالة كانت له آثار سلبية يعتبر إعادة إنتاج الإجرام وارتفاع معدل الجريمة أبرز تجلياتها.

وبعد أن وقفنا عند المعوقات القانونية والمادية التي تحول دون تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم فإننا سنقف في النقطة الموالية عند سبل المعالجة التي يمكن معها تجاوز هذه المعوقات.


1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم