المؤسسة السجنية ومتغيرات الداخل والخارج بالمغرب

    تحت تأثير المتغيرات الداخلية والتحولات الدولية الكبرى التي أفرزها انهيار المعسكر الشرقي وما رافق ذلك من تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ سعى المغرب إلى تكييف منظومته القانونية مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان. وتمَّ إحداث مجموعة من المؤسسات، مثل: هيئة الإنصاف والمصالحة، ومؤسسة الوسيط، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.


لقد أثَّر تطور الحركة الحقوقية بالمغرب في مجموعة من القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ حيث فُتحت نقاشات على قدر كبير من الأهمية تخص قضايا لم تنل حظًّا وافرًا ضمن اهتمامات مختلف الهيئات والأحزاب السياسية، مثل: قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتمكين المرأة، والإشكالات المختلفة التي تطرحها المؤسسات السجنية.
وقد ازدادت أهمية المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق السجناء، عبر سبل مختلفة ترتبط بنهج أساليب الحوار مع الجهات الحكومية المعنية. والقيام بالزيارات الميدانية ورصد الاختلالات، وتتبع الحالات وتنظيم اللقاءات وإصدار التقارير والنشرات، والقيام بحملات للتوعية؛ علاوة على اعتماد آليتي الترافع والاحتجاج في هذا الصدد.
ولا تخفى الإكراهات التي تواجه أداء المجتمع المدني في هذا الشأن، فبالإضافة إلى ضعف الإمكانات المادية وهشاشة التنسيق بين مكوناته، لا يزال الكثير من مؤسسات الدولة يتردد في دعم جهوده والتعاون معه.
وإذا كان الغرض من فرض العقوبة على الجناة يتركز في إحباط دافع الجريمة وحماية المجتمع وإصلاح الجاني وإلحاق المعاناة المناسبة به، وتحقيق العدالة والتعويض عن الخسارة؛ فإنه تحت عوامل تطور العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، تم تجاوز النظرة التي كانت تختزل مهام المؤسسات السجنية في الجانب الردعي والانتقامي إلى اعتبارها مجالاً إصلاحيًّا وتربويًّا يوازن بين تنفيذ العقوبة من جهة، وحفظ واحترام الكرامة الإنسانية من جهة ثانية.
تلعب السجون دورًا جوهريًّا في المجتمع، فهي بالغة الأهمية بالنسبة للأمن الإنساني والعام، غير أن مهمة بناء سجون تراعي مبادئ العدالة والإنسانية والفعالية وإدارتها، قلَّما تُعطَى أهمية قصوى. وعلاوة على الوظيفة الردعية التي تباشرها هذه المؤسسات كآليات لتنفيذ العقوبات التي يصدرها القضاء، وجعل المجرم مترددًا قبل اقتراف جريمته، فإنها تحظى أيضًا بمهام وقائية، من حيث السعي لتقويم سلوك الجناة وإدماجهم داخل المجتمع وترسيخ تنشئة اجتماعية تدعم تحصينهم من السقوط في براثن الجريمة من جديد.
إن نفاذ العقوبة على الجناة على مستوى حرمانهم من الحرية لا يلغي حقوق السجين المختلفة، التي سعى الكثير من التشريعات الداخلية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان إلى ترسيخها وضمانها.
وتجد حماية حقوق السجين أساسها في مجموعة من المقتضيات الدستورية والتشريعية التي تؤكد على احترام حقوق الإنسان وتمكين الأفراد من محاكمة عادلة. كما أقرَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادئ أساسية لمعاملة السجناء بموجب قرارها الصادر في 14 ديسمبر/كانون الأول 1990.
وقد أوْلت مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين التي انطلقت منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، أهمية لهذا الموضوع؛ حيث أوصت في الكثير من دوراتها التي تُعقد مرة واحدة كل خمس سنوات بضرورة سعي القضاة في المحاكم الجنائية إلى عدم الحكم بعقوبات سجنية قصيرة وتعويضها بعقوبات بديلة، كما هو الشأن بالنسبة لوقف التنفيذ والاختبار القضائي والغرامات المالية، أو وضع المعنيين في معتقلات مستقلة عن باقي السجناء أو في فضاءات سجنية مفتوحة.

Post a Comment

أحدث أقدم