قانون 98/23 المنظم للسجون  و اعادة الادماج و التأهيل


تولي السياسة العقابية الحديثة كما هو معروف اهتماما كبيرا لدور العقوبة في إصلاح الجاني وتاهيله ، وتعتبره هدفا رئيسيا من الاهداف الاخرى التي تسعى العقوبة لتحقيقها ، وقد كان للاحداث نصيب من هذه النظرة الجديدة للعقوبة، اعتبارا لحداثة سنهم وقابليتهم للتقويم.

لقد تاثر المغرب بهذه النظرة الحديثة في معاملة الاحداث الجانحين حيث ان المشرع المغربي اهتم باصلاح وتاهيل الاحداث الجانحين واعادتهم للمجتمع من خلال مختلف التشؤيعات والقوانين الجنائية المعتمدة ، واصبح يعامل الحدث بطرق تحفظ كرامته ويسعى قدر المستطاع الى انخاد تدابير وقائية واهذيبية وتربوية غايته من كل ذلك محاولة ادماجه في الوسط الاجتماعي وانقاذه من الانسياق وراء الجنوح، وما دام الامر كذلك، فان ضرورة اللجوء الى عقوبات سالبة للحرية لا يكون ال كملاذ اخير وفي حالات استثنائية.

وتماشيا مع هذه النظرة فقد التزم المغرب بمجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية ، حيث اصدر المشرع المغربي عدة قوانين تؤطر لانسنة العقوبة السالبة للحرية، وللفضاء السجني من اجل اصلاح وتاهيل الاحداث الجانحين، وادماجهم في المجتمع ، وذلك من خلال اعتماد عدة مقاربات واليات ( قانونية- قضائية – تربوية - تعليمية – اجتماعية...) سواء في القانون الجنائي او المسطرة الجنائية او القانون رقم 98/23  المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية حيث جاءت بعدة مستجدات معتمدة في القوانين المقارنة والاتفاقيات الامنية ، التي صادق عليها المغرب.

ظلت المؤسسات السجنية محكومة بظهائر تعود لسنوات 1915م و 1930 م  و 1942 م  التي لم تكن تراعي الاهداف المتوخاة من انشاء المؤسسات السجنية والمتمثل في الاصلاح واعادة الادماج مما جعلها محل انتقادات حادة قانونية وحقوقية لعدم مواكبتها للتطور الذي عرفه مجال حقوق الانسان بالمغرب ، بالاضافة الى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وهو ماجعل المشرع  المغربي يعيد النظر في هذه الظهائر حتى تواكب المستجدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، وهو ماتجلى واقعا ملموسا في قانون 98/23  المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية والمرسوم التطبيقي له، الامر الذي احدث نقلة نوعية في مفهوم المؤسسات السجنية بالمغرب عكستها المقتضيات القانونية الجديدة المتعلقة بالاحداث الجانحين والتي جعلت من اصلاح الحدث واعادة ادماجه في محيطه الاجتماعي هدفها الاول والاخير.

والملاحظ ان المقتضيات القانونية لهذا القانون أخدت من النظريات الحديثة للسياسة العقابية وتوصيات المؤتمرات الدولية وبنود الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب ، وهكذا فهذا القانون يسعى الى تحقيق مستويات اساسية لا غنى عنها تتمثل في عقلنة وتنظيم المجال ، وتغير المنظور التقليدي لها،والحفاظ على امن المؤسسات وسلامة وكرامة نزلائها ، وضمان الرعاية الصحية والتغدية المتوازنة، وتجويد الخدمات المقدمة للنزلاء وتكثيف برامج التعليم والتكوين المهني والتاهيل الديني ، فضلا عن اتخاد مبادرات جديدة ذات افق اجتماعي وتربوي سعيا وراء ادماج احسن للاحداث في الحياة العامة بعد اطلاق سراحهم ، والانفتاح على مكونات المجتمع المدني بشكل عام والمهتمين بقضايا السجون على الخصوص.

ان تجليات المعاملة الت خص بها هذا القانون والمرسوم التطبيقي له الاحداث من خلال الحرص على توفر كل مؤسسة تستقبل معتقلين احداث بالمفهوم الجنائي او اشخاص لاتتعدى اعمارهم عشرين سنة على حي مستقل او على الاقل على محل منفصل عليها معد لكل فئة على حدة، وكذا توفرها على تنظيم اداري محكم ونظام امني يحقق هدف اعادة ادماج الحدث الجانح .

وعلى العموم فان فلسفة هذا القانون تنبني على منظور حداثي لمفهوم العقوبة ،بغية تحقيق الاصلاح واعادة التكيف الاجتماعي وتيسير الادماج للاشخاص المحكوم عليهم، وذلك عبر اجرأة العقوبة بشكل يضمن انسنتها من خلال تبني برامج تاهيلية تقويمية تهدف الى تعديل السلوك المنحرف لديهم وتغير نظرتهم لانفسهم والمجتمع على حد سواء عبر تنمية السلوك المقبول اجتماعيا لديهم، كما ان هذا القانون يعكس بحق مجموعة من المستجدات التي تساهم في اعادة وتاهيل النزلاء الاحداث ، بحيث تشكل قفزة نوعية في مجال حقوق الانسان تضمن حقوق السجناء وتصون كرامتهم، وفيما يلي اهم المستجدات:

- احداث مؤسسات جديدة خاصة بالاحداث والاشخاص المدانين لا تتعدى اعمارهم 20 سنة قصد اعادة ادماجهم في الوسط الاجتماعي، هذه المؤسسات اطلق عليها اسم مراكز الاصلاح والتهذيب وهي بمثابة وحدات متخصصة. 

- الرخص الاستثنائية والاذن بالخروج وذلك في سبيل الحفاظ على الروابط العائلية ،بحيث يمكن للمندوب العام لادارة السجون واعادة الادماج منح الرخص للسجين للخروج من المؤسسة السجنية لزيارة اقاربه المرضى او حضور مراسيم الدفن...

- تنظيم مسالة التاديب في المؤسسات السجنية.حيث اصبح من حق السجين عند امتثاله امام لجنة التاذيب ان يطلب من يؤازره ويمكن له الطعن في القرار ان لم يكن في صاحه.

- المرسلات: اد تمثل احدى الوساىل الهامة للحفاظ على علاقات السجناء مع العالم الخارجي،وبفضل هذه الالية يمكنه انجاز وتلقي كل المراسلات الادارية والقضائية والاسرية...الخ.

- فتح دفتر شخصي بصندوق التوفير.

- التهذيب الديني:الذي يعد من الوسائل المباشرة لاصلاح السجين واعادة ادماجه ، ويعني ابراز القيم الدينية للنزيل بهدف غرس تلك القيم في وجدانه من خلال دروس الوعظ والارشاد .

- التنشيط الرياضي:اذ تعد من وسائل واساليب البرامج الاصلاحية والتاهيلية بالمؤسسات السجنية

- ملائمة ظروف الاعتقال للصحة والسلامة 

وتجدر الاشارة الى انه خلال سنة 2008 ظهر مستجد جديد على مستوى الهيكلة والاشراف واصبحت بمقتضاه المديرية على شكل مندوبية عامة تابعة لرئيس الحكومة حاليا بمقتضى هذا التعديل انتقلت جميع اختصاصات المدير الى المندوب العام في حين مازال العمل جاريا بالقوانين المنظمة للمؤسسات السجنية.

    هذه هي اهم المستجدات التي نضمها هذا القانون والتي تعكس الطفرة النوعية التي حققتها حقوق الانسان ببلادنا.

وعلى العموم فهذا القانون ثمرة ارادة وتوافق كل مكونات المجتمع السياسي والمدني فقد ارسى دعائم سياسة اعادة تاهيل وادماج النزلاء المؤسسات السجنية من خلال تاهيلهم اجتماعيا وتربويا ودينيا وصحيا ، ووفر لهم ظروفا واوضاعا تكفل لهم احتراما يتفق مع المبادئ التي جاءت بها مختلف المواثيق الدولية، وكرست التطور المتنامي لثقافة حقوق الانسان.


 

Post a Comment

أحدث أقدم