التعليم بالمؤسسات السجنية و دوره في اصلاح السجين و اعادة ادماجه 



يحتل التعليم دورا أساسيا في النظام العقابي الحديث، إذ يعتبر وسيلة أوأسلوب من أساليب المعاملة العقابية الأصلية الهادفة إلى إعادة الادماج الاجتماعي للسجناء وتأهيلهم في المؤسسة العقابية، أثناء فترة التنفيذ العقابي، فالتعليم يفتح ذهن الحدث الجانح  ويوسع مداركه ويجعله بصيرا بحقيقة ما يدور حوله من خير وشر ، وهو بذلك يصقل شخصيته من خلال تزويده بالقيم والسلوكات السليمة التي تباعد بينه وبين ارتكاب الجريمة، مما   أصبح لازما في الوقت الراهن على المؤسسات السجنية التي تؤوي الجانحين الاحداث الاهتمام بهذه البرامج وتكيفيها على النحو الذي يتيح استفادة أكثر عدد منهم بحسب مستواهم التعليمي قبل الاعتقال بما يمكنهم من مواصلة تحصيلهم العلمي والمشاركة في المستويات الاشهادية .

فالتعليم يساعد على تنمية المبادئ والقيم الخلقية السامية، مما ينعكس على شخصية الحدث سواء من حيث التكيف الاجتماعي داخل المؤسسة أو خارجها، أو من حيث الإحاطة بالمشاكل الاجتماعية ، والأساليب الصحيحة لحلها، والتغلب عليها دون اللجوء إلى السلوك الانحرافي.

من ثم إصلاح الطفل غير المتكيف واعادة تأهيله وادماجه عبر ضمان حقه في التعليم وتوفيره له بوسائل علمية ملموسة وايجابية.

لقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل وأقر في البند السابع حق الطفل في التعليم،وهذا يعني على الدولة ملزمة بتوفير التعليم له، وان يكون التعليم مجانيا وإلزاميا في مرحلة الابتدائية على الأقل ويهدف ليرفع ثقافته وتمكينه من أن يصبح عضو مفيدا في المجتمع، وبما أن الحق في التعليم هو حق مكفول للأطفال الأسوياء،و الأحداث نزلاء المؤسسات السجنية هم أيضا معنيون بهذا الحق الذي أقرته البنود والمواثيق الدولية نظرا لما لهاته البرامج التعليمية من أهمية في إعادة تأهيلهم ،

اذ أكد الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على ضرورة تعليم السجناء داخل المؤسسة السجنية في المادة 26/1 التي قضت بأنه "  لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم. "

فقد نصت المادة 77 من مجموعة القواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين –قواعد مانديلا-على حق النزلاء في التعليم " تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم السجناء القادرين على الاستفادة منه ،بما في ذلك التعليم الديني في البلدان التي يمكن فيها ذلك ويجب تعليم الأميين والأحداث إلزاميا وان توجه لهم عناية خاصة".

وقد حرصت الكثير من التشريعات على إدخال التعليم ضمن برامج التأهيل في المؤسسات العقابية وجعله اجباريا في سن معينة، واختياريا بعد هذه السن، إذ نصت المادة 29 من قانون تنظيم السجون المصري على: "أن يضع وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير التربية والتعليم منهج الدراسة للرجال والنساءوذلك بعد أخذ رأي المدير العام للسجون"، وأشارت المادة 26 من القانون النموذجي العربي الموحد "على تنظيم دورات تعليمية في جميع السجون " كما نصت المادة 450/1 قانون اجراءات جزائية  فرنسي على: "أنه يجب أن يحصل المحكوم عليهم من المعلومات الضرورية للتأهيل الاجتماعي السليم عقب الافراج عنهم".

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية حق الحدث النزيل في التعليم بالمؤسسات السجنية، فقد اقر على غرار باقي الدول من خلال المرسوم التطبيقي للقانون المنظم للسجون 98/23، وخاصة في الفقرة الثالثة من الفرع الأول من الباب التاسع تحت عنوان" تأهيل المعتقلين قصد تسهيل إدماجهم" كل الشروط والوسائل التي تضمن للنزيل الحدث حقه في التعليم، حيث نص في المادة 144 من القانون المذكور "يجب على مديرية السجون وإعادة الإدماج بتعاون مع القطاعات الوصية تنظيم دورات لمحو الأمية والتربية لفائدة المعتقلين الأميين وذلك بجميع المؤسسات " ونصت كذلك في المادة 116 على انه "يجب ان تكون برامج التعليم وطرقه مطابقة لما هو معمول به في التعليم الرسمي".

وتدعيما لذات الحق فجميع البرامج التعليمية المعتمدة بالمؤسسات السجنية مطابقة لنظيرتها في المؤسسات التابعة لوزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي والتعليم العالي، وهذا ما يساير النصوص القانونية التي يجري العمل بها في هذا الإطار ، مما يضمن مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع ويساعد السجناء على الحصول على شهادات علمية تسهل لهم الاندماج من جديد في المجتمع بعد قضاء العقوبة.

يتلقى الأحداث المتابعين لدراستهم محاضرات ودروسا من طرف الأطر التعليمية التي أنيطت بها هذه المهمة في الأقسام التي تم إحداتها لهذا الغرض ، فالحدث يوضع عادة في الصف الدراسي المناسب له بعد إجراء فحوصات لمعرفة مستوى ذكائه وقدرته على التعلم ، ويقوم الأخصائي الاجتماعي والمشرف الاجتماعي بتتبع الحدث داخل الفصل للتعرف على المواد الدراسية التي تكون تحصيله العلمي ضعيفا فيها ، ومن تم يوضع برنامج خاص لكي يتمكن من الحصول على معدل للنجاح، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى الاتفاقية المبرمة بين وزارة العدل ووزارة التربية الوطنية بتاريخ 20/02/1998 والتي تقضي بمساعدة الأحداث المنقطعين عن دراستهم.

وعلى العموم فالتعليم بالمؤسسات السجنية يساعد على استئصال عوامل الاجرام، ويوسع المدارك وينمي القدرات ، ويؤثر في سلوك الفرد إزاء الغير وإزاء الجماعة، ويساعد على التكيف مع الأشخاص المحيطين به، وينمي إمكاناته الذهنية مما يعينه على حسن فهم الأمور وتقدير عواقبها مما يدفع النزلاء إلى تغير نظرتهم إلى السلوك الإجرامي والابتعاد عنه في المستقبل ، بالإضافة الى انه يفتح أمامهم إمكانية الحصول على عمل بعد الإفراج، وعلى تنمية المبادئ والقيم الخلقية السامية والإلمام بمختلف الحقوق والالتزامات داخل المجتمع ، مما ينعكس على شخصية الحدث سواء من حيث التكيف الاجتماعي داخل المؤسسة أو خارجها وذلك من خلال الإحاطة بالمشاكل الاجتماعية والأساليب الصحيحة لمعالجتها والتغلب عليها دون اللجوء إلى الطريق الإجرامي.

ونستشف مما سبق إن التعليم بمختلف مستوياته يعد من إحدى البرامج أو الوسائل الهادفة إلى تهيئ الأحداث للاندماج في الحياة العامة بعد الإفراج عنهم، وكذا إعطاء العقوبة بعدها التربوي الباعث على الإصلاح باعتبارها مقيدة للحرية فقط، وليست مقيد لطاقات الخلق والإبداع والتعليم واكتساب المهارات، أو مكبلة لإمكانات الانطلاق في الحياة من جديد.


Post a Comment

أحدث أقدم